دخل 120 شابا سعوديا في مكة المكرمة معتركا جديدا في إثبات الذات من خلال انخراطهم في وظائف مهنية في الفنادق المجاورة للحرم المكي الشريف، حيث تم تأهيلهم ليكونوا ضمن فريق عمل متكامل لإدارة فنادق مشروع جبل عمر الشهير، بعد أن أعلنت إدارته خطتها الاستراتيجية لتوظيف قرابة 3800 موظف سعودي في مختلف المهن بتلك الفنادق.
وفي الوقت الذي باشر فيه الشباب الذين يمثلون الدفعة الأولى عملهم مطلع الأسبوع المنصرم شمر أبناء الوطن عن سواعدهم لإثبات الذات في هذه المهن الجديدة عليهم وهم يتحدون النظرة الدونية للمجتمع ويضعون صوب أعينهم النجاح في هذه المهن الجديدة التي تمتد من وظائف الاستقبال في الفنادق حتى وظائف الخدمات في المطبخ ونظافة الغرف.
وطالب الشباب السعودي بضرورة سن قوانين تحمي حقوق الطرفين في العمل وتضمن عدم وجود ثقافة التسلط وكذلك تحد من التسرب الوظيفي وتحقق نظاما عادلا يضمن الاستقرار الوظيفي والأمان بما يتواكب مع نهج وسياسة الجهات المعنية بذلك.
وحول هذه التجارب وما يدور في خلد كل منهم حرصت «عكاظ» على جمعهم في «برلمان الشباب» لتسليط الضوء حيال المعوقات التي قد تعترض طريقهم والآمال التي يختزلها كل منهم حرصا على دعم هذه التجربة الرائدة.
• «عكاظ»: ما الدوافع التي قادتكم للانخراط في هذه المهن التي يرى البعض أن الشاب السعودي لا يجد ذاته فيها؟
• يقول الشاب عبدالله بخاري: في إطار اهتمام القيادة للقضاء على البطالة التي تعاني منها جميع دول العالم قاطبة بلا استثناء في ظل الانفجار السكاني المتزايد على وجه الأرض، تسعى المملكة بجهود حثيثة من أجل تنمية الموارد البشرية السعودية وإحلالها مكان العمالة الوافدة التي تمثل ما نسبته 22% من سكان المملكة، إلا أن النسبة المرضية في توطين الوظائف في القطاع الفندقي، وأخص هنا القطاع الفندقي، لم تصل إلى المستوى المطلوب والكل يتفق على ضرورة أن يؤدي القطاع الفندقي في توطين الوظائف دوره، خصوصا في ظل الأعداد المتزايدة من الشباب السعودي الذي يدخل سوق العمل سنويا، حيث أوضحت آخر إحصائية أن نسبة عدد السكان تحت سن العشرين تمثل 51% من إجمالي سكان المملكة ما يعني أن المملكة تملك جيلاً شاباً يجب توفير الوظائف له، وقد أوضحت إحدى الإحصائيات الصادرة بهذا الخصوص أن الوظائف التي ستنتج عن النمو الاقتصادي في المملكة حوالي 300 ألف وظيفة في السنوات الخمس القادمة، وهو عدد يبعث الطمأنينة في نفوس ابنائنا الشباب.
وأضاف: سلكنا هذا الطريق فلربما نجد فيه الأمان الوظيفي والاستقرار، حيث يتطلب هذا أن تتوجه الجهود نحو تنوع قاعدة الاقتصاد الوطني وزيادة مساهمة القطاعات الخاصة ككل بما فيها القطاع الفندقي الذي يعتبر جزءاً من السياحة، في حين إشارت الهيئة العليا للسياحة قبل ما يقارب ثلاث سنوات أن عدد الموظفين في قطاع الفندقة يبلغ حوالي 12516، تبلغ نسبة السعوديين منهم 17% فقط.
مقومات النجاح
• «عكاظ»: في نظركم ما مقومات النجاح في هذه التجربة.. وما المهارات اللازم توافرها في الشاب السعودي لينجح في صناعة الفندقة؟
• ويذهب الشاب عبدالسلام محمد إلى القول: لا مجال للشك أن العمل في المجال الفندقي يتطلب مهارات ومواصفات خاصة، أضف إلى ذلك العمل دائما على تطوير تلك المهارات والمواصفات لدى العاملين في هذا المجال، لذلك يبرز التحدي الكبير في توفير كوادر بشرية مدربة لهذا القطاع، ومن هنا تنبعث أهمية المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية في القطاع السياحي ومنه الفندقي الذي أعلنته الهيئة العليا للسياحة بهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في سعودة وتوطين الوظائف في القطاع الفندقي، وعملت وزارة العمل على تدريب وتخريج شباب يحلون مكان العمالة الوافدة، وقد برز ذلك من خلال افتتاح كليات تقنية ومعاهد صناعية ومراكز تدريب مهني في معظم مدن ومحافظات مملكتنا الغالية، حيث احتل موضوع سعودة الوظائف في الفنادق مساحة اهتمام واسعة.
معوقات ومشاكل
• «عكاظ»: ما أبرز المعوقات التي تعترض طريقكم نحو سعودة الفنادق بالشكل المرضي؟
• يقول الشابان فؤاد زكريا وعلي قاسم: من أبرز المعوقات التي قد تعترض الطريق النظرة الدونية للبعض تجاه هذه الوظائف، فالمجتمع لا يرحم أحدا، حيث ينتقص الشاب من عمله في مهنة الفندقة، ونحن على يقين أن هذه الوظائف ستؤمن لنا لقمة عيش شريفة، لذا لا نبالي من هذه النظرة، لكن ينبغي أن يتعاون المجتمع معنا لتحقيق النجاح، هذا القطاع به وظائف ضخمة ولا يزال يعمل فيها الوافدون وهي أعمال مجزية ذات مردود مادي كبير، لذا قررنا تجاوز هذه النظرة وشق طريق الحياة بكفاح وتحد مع الذات ومع المجتمع.
نقص المؤهلات
ويشاركهما الرأي عمر الحساني ومحمد السرواني: تتربع على هرم تلك المعوقات ضعف طالبي العمل في القطاع الفندقي في اللغة الإنجليزية، حيث من المعروف أن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية المتعارف عليها بين جميع العاملين في قطاع الفنادق، لهذا نسأل لماذا خفضت ساعات دراسة مادة اللغة الإنجليزية في الكليات التقنية في جميع التخصصات بما فيها تخصص الفندقة الذي هو محور حديثي في هذا هنا، لذا أوجه سؤالي إلى المسؤولين في المؤسسة أليس من المفترض تكثيف الساعات الدراسية لمادة اللغة الإنجليزية بدلاً من تقليصها، حيث كانت ساعات دراسة الدبلوم ككل 90 ساعة وخفضت إلى 71 ساعة كأعلى معدل بالنسبة للساعات الدراسية، حيث شمل ذلك جميع المواد بما في ذلك مادة اللغة الإنجليزية، أليس من المفترض التغلب على ذلك العائق؟.
العمالة الوافدة
• «عكاظ»: ما الذي تحتاجونه من رجال الأعمال لدعم مثل هذه التجارب وتشجيع الشباب على الانخراط في المهن؟
• يتفق عبدالله بخاري وبراء باخشوين على أن اعتماد القطاع الفندقي على العمالة الوافدة دون السعوديين الذين يعانون من البطالة أدى إلى زيادة تفاقم الأزمة التي يعانيها الاقتصاد السعودي، فحجم العمالة في هذا القطاع يبلغ 125 ألف شخص لا يشكل السعوديون منهم سوى 17% فقط.
وأضافا: لا يجب أن تقتصر على تشغيل هؤلاء الشباب، بل إن معناها الصحيح يشمل إتاحة الفرص للسعوديين جميعا ومن كل الأعمار؛ لشغل الوظائف التي تتوفر فيهم مواصفات شغلها ومستويات الكفاءة المطلوبة لها وعلى كل المستويات التنظيمية. ولا يجب النظر إلى السعودة بمعيار العاطفة الوطنية، بل يجب دراستها من منطلق الأرقام والحقائق التي تشير بوضوح إلى تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل، في الوقت نفسه الذي تتقلص فيه فرص العمل. ومن ثم فمشكلة السعودة ذات شقين، الأول خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب الداخلين في سوق العمل. والثاني البحث عن موارد بشرية مؤهلة وذات خبرة لشغل الوظائف التي تخلو من شاغليها سواء من المواطنين أو من غيرهم.
وعن الحلول قالا: لا بد من الربط بين سياسات التعليم والتدريب، وبين عمليات التوظيف وخلق فرص العمل ومحاولة استيعاب الباحثين من ناحية أخرى.
مضايقات الوافدين
• «عكاظ»: هل تخشون من التعرض لمضايقات من الوافدين في الفندقة، سيما أن مثل هذه التجارب قد تجد في الوهلة الأولى حربا ضروسا؟
• يرى كل من متعب الزهراني وياقوت سرور وبندر منصور أن ارتفاع عددهم يتطلب جهوداً أمنية مكثفة لمراقبتهم والعناية بهم، حيث تشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى أن الجرائم التي ارتكبها وافدون قد تخطت 164 ألف حادثة خلال عشر سنوات. كما تمتد آثار العمالة الوافدة إلى الجهاز الإداري في المنظمة، إذ قد يؤدي تواجدهم بأعداد كبيرة إلى نشوء حالة من التوتر والصراع بين العاملين نتيجة لاختلافهم في العادات والتقاليد؛ مما يؤدي إلى نتائج سلبية على الجهاز الإداري وعلى أطراف النزاع؛ وقد تنعكس هذه المواقف على درجة الروح المعنوية والرضا الوظيفي، وهذا بدوره يؤثر على الأداء الوظيفي والإنتاجية.
ويشخص كل من عمر النهدي ومالك الحربي واقع العمل بقولهما: نجد أن ثمة عزوفا للسعوديين عن العمل في بعض الوظائف، خاصة الوظائف الفنية والحرفية والخدمية التي كانت قاصرة على العمالة الوافدة لميل الملتحقين بالتعليم من السعوديين إلى تخصصات معينة، قد لا يحتاج إليها سوق العمل السعودي وكذلك تفضيل السعوديين للإقامة والعمل في المناطق الحضرية الرئيسية، وعدم استعدادهم للعمل في مناطق أخرى، ولعل كل هذا يعود لضعف عناصر الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص وطبيعة العمل فيه من حيث الجهة وفترات الدوام وفاعلية الرقابة ونظم التوظيف والترقية وانخفاض معدل الدخل وعدم توافر التأمينات الاجتماعية في بعضها إلى جانب افتقار الشباب السعودي إلى عنصر التدريب. ويقول الشاب عبدالله بخاري: الاعتماد على معايير الربحية التجارية البحتة في المفاضلة بين العنصرين الوطني والوافد، دون الأخذ في الاعتبار لعناصر التكاليف غير المباشرة الأخرى للعمالة الأجنبية وموازنتها مع إنتاجيتها الجدية، إلى جانب مقدرة العمالة غير السعودية على التكيف مع متطلبات القطاع من حيث الأجر والتأهيل والتدريب وظروف العمل الأخرى، مع عزوف بعض أصحاب العمل عن توظيف السعوديين بدعوى أنهم أقل إنتاجية من العمال الأجانب وأعلى تكلفة في التدريب، ولا ننسى تهرب بعض أصحاب الأعمال من الالتزامات الخاصة بخطط توطين الوظائف؛ وذلك بتحديد أجور منخفضة ومتدنية لمن يتم توظيفهم من المواطنين؛ وهو ما يدفعهم إلى الاستقالة لعدم كفاية الأجر لمتطلبات المعيشة، الأمر الذي يقود صوب اتسام بعض الوظائف لا سيما الفنية بعدم المرونة وعدم توافر البديل السعودي الكفء القادر على القيام بهذه الوظيفة؛ الأمر الذي قد يدفع الجهة المختصة إلى الاستعانة مرة أخرى بموظف وافد.
مزاجية الشباب
• «عكاظ»: يتخوف أرباب العمل من ملاك الفنادق من مزاجية الشاب السعودي وعدم مقدرته على مجابهة العمل الفندقي وهو ما قد يقود صوب فقد الثقة بين الطرفين، كيف يمكن تصحيح المعادلة؟
• يقول الشاب براء باخشوين: عدم استمرارية المواطنين في بعض الأعمال الناتجة أصلا من عدم الرضا والقبول منذ البداية لبعض المهن، التي لا يزال ينفر منها بعض الشباب، وتجد طالب الوظيفة يأخذ الموضوع على أنه تمضية وقت، وهذا أيضاً فيه خسائر على أصحاب العمل، إضافة لعدم رغبة الأجانب العاملين في المواقع المختلفة في تدريب السعوديين الداخلين حديثاً إلى العمل؛ خوفاً من أن يأخذوا أماكنهم ويتم الاستغناء عنهم، إلى جانب نظرة الأسرة السعودية إلى العمل في القطاع الخاص بأنه مجرد خدمة لرب العمل، في حين أن العمل في القطاع الحكومي هو خدمة للمجتمع بصفة عامة.
ويقول رامز أحمد: لا بد من بناء علاقة ثقة جديدة بين الشباب وأرباب العمل لكسر هذه المعادلة الظالمة للشاب السعودي، لدينا القدرة والتأهيل للعمل في أي مجال، لكن لا بد من الصبر والدعم لنا في المرحلة المقبلة لتحقيق النتائج المرجوة، لا بد من توفير الحوافز المشجعة للشاب السعودي على الإبداع والعمل وزرع ثقافة العمل المنضبط، وما يحدث من بعض الشباب اللامبالي لا يمكن تعميمه على الجميع، فكذلك الحال مع العمالة الوافدة فيها العامل المتقن والعامل الكسول، لكن أبناء الوطن لديهم قدرة على تصحيح المعادلة وإثبات الكفاءة خلال المرحلة المقبلة.
رؤية مشتركة
• «عكاظ»: كيف يمكن الخروج برؤية مشتركة تدعم عملكم في المرحلة المقبلة وتتكامل مع كافة الجهات التعليمية والتقنية لمواكبة سوق الفندقة وتأهيل الكوادر الوطنية في ذلك؟
• يقول متعب الزهراني: في اعتقادي أنه لا بد من تطوير المناهج والبرامج الدراسية والتدريبية في مؤسسات التعليم والتدريب لتتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتوفير آليات متطورة لربط منظومة التعليم والتدريب بقطاعات الأعمال، وإضفاء المرونة والسرعة في عمليات التطوير مع التركيز فيها على الجوانب التطبيقية والمهنية إلى جانب تطوير آليات عاجلة لإعادة تأهيل وتدريب الخريجين الباحثين عن أعمال، بمشاركة فاعلة من مؤسسات الأعمال، ويكون هذا الجهد مرتبطا بالتعرف على احتياجات مؤسسات الأعمال والربط بذلك بين التأهيل والتوظيف. ويزيد عصام باوجيه: كذلك نأمل العمل على تخطيط وتنفيذ حملات إعلامية لتطوير وتعديل اتجاهات الشباب السعودي نحو العمل بالقطاع الخاص، إذ أن من المتعارف عليه تفضيل الشباب للعمل الحكومي، وذلك طمعا في الاستقرار الوظيفي وغير ذلك من عوامل الأمان الوظيفي وكذلك التزام منظمات الأعمال الخاصة بتشغيل نسب معينة من إجمالي قوة العمل بها من السعوديين، وزيادة تلك النسبة سنوياً. وبالتالي ينبغي على تلك المنظمات أن تشرع في تخطيط وتنفيذ برامج لإعادة هيكلة وتطوير نظم إدارة الموارد البشرية حتى تتكافأ قدراتها مع المطالب والتحديات الجديدة ومنها مطلب السعودة. وأضاف بندر منصور: من الضروري أن تكون هناك قناعة لدى الإدارة العليا بالمنشأة بأهمية السعودة وإمكانية تحقيقها ووضع خطة استراتيجية لها تتم ترجمتها إلى خطط سنوية ذات أهداف محددة يمكن قياسها وتقييمها مع تطبيق آليات واضحة وواقعية تؤدي إلى سعودة الوظائف بالمنشأة مع تطبيق أساليب وسياسات فاعلة في مراحل استقطاب وتوظيف السعوديين وتنفيذ برنامج تهيئة وتعريف للموظفين الجدد.